العلاقات الأسرية… الجذر الذي تنبت منه الحياة

العلاقات الأسرية… الجذر الذي تنبت منه الحياة
بقلم
د.فريال علي آل التركي
في عالمٍ يتغير كل لحظة، تبقى العلاقات الأسرية الثابتة هي الحصن الأول والملاذ الأخير للإنسان؛ إنها أكثر من مجرد روابط دم، بل نسيج من المشاعر والدعم والانتماء. فالعائلة ليست مكانًا نعيش فيه، بل كيانًا نعيش به ومن خلاله.
العائلة… مرآة الإنسان الأول
كل إنسان يولد صفحة بيضاء، وتبدأ العائلة بكتابة أول سطور شخصيته. من نظرة الأم الحانية، ومن حزم الأب، ومن ضحكات الإخوة، تتكون تصوراتنا الأولى عن الحب، والثقة، والأمان، وحتى الألم. لذلك، فإن العلاقة الأسرية الصحية لا تُبنى فقط على الواجبات، بل على الوعي العاطفي والتفاهم العميق بين الأفراد.
ماذا يحدث عندما تختل المعادلة؟
حين تتعرض الأسرة لأزمات كالفقد، أو الطلاق، أو الخلافات المستمرة، تبدأ العلاقات بالتآكل الصامت. قد لا تظهر الشروخ مباشرة، لكن آثارها تتسلل إلى سلوكيات الأبناء، وصحتهم النفسية، وحتى علاقاتهم المستقبلية. وهنا تكمن الخطورة: حين تتحول الأسرة من “سند” إلى “عبء”، يصبح إصلاح جذورها ضرورة وجودية لا ترفًا.
نحو علاقات أسرية ناضجة
العلاقات الأسرية الناضجة لا تُبنى على المثالية، بل على القبول والمرونة؛ أن نتقبل اختلافات بعضنا، وننضج في طريقة تواصلنا، وأن نفهم أن الحب لا يعني السيطرة، بل الحرية في ظل الاحترام. الحوار هو العمود الفقري لهذه العلاقات، لكن ليس أي حوار، بل الحوار الصادق الذي لا يُقصي، ولا يُجامل على حساب الحقيقة.
أسرار الحفاظ على دفء العلاقة داخل الأسرة
الاستماع الفعّال: أن نستمع لنفهم، لا لنُجيب. أحيانًا، كل ما يحتاجه الفرد هو من يُنصت له دون أحكام.
الوقت النوعي: لا يكفي أن نكون تحت سقف واحد، بل يجب أن نخلق لحظات نتشارك فيها الضحك، والذكريات، وحتى الصمت المُهتم.
التقدير العاطفي: كلمة “شكرًا”، أو “أنا فخور بك”، أو حتى “أنا آسف” لها وقع كبير، بعيدًا عن المجاملات الجسورة.
المسؤولية المشتركة: الأسرة مشروع جماعي، لا ينجح حين يُحمّل عبء العلاقة على واحد فقط.
تجاوز الأدوار التقليدية: الأم ليست مصدر الحنان فقط، ولا الأب مصدر الحزم فقط؛ كل فرد قادر أن يكون مصدرًا للدفء، أو الحزم، أو الحكمة، حسب اللحظة.
بين الجيل القديم والجديد… فجوة أم فرصة؟
الاختلاف بين الأجيال داخل الأسرة قد يخلق صدامًا ظاهريًا، لكنه في حقيقته فرصة للتمازج. حين يفهم الجيل الأكبر احتياجات الجيل الأصغر دون تقليل أو سخرية، ويستمع الأصغر لتجارب الأكبر دون تمرّد، تتحول الفجوة إلى جسر. في الأسرة، كل جيل يحمل حكمة مختلفة؛ وإذا التقت، لا يتكرر الماضي، بل يُبنى المستقبل.
الأسرة في زمن السرعة
نعيش في عصر تكنولوجي سريع، اختُزل فيه التواصل إلى رموز وصور. لكن الأسرة لا تزدهر عبر “المحادثات النصية”، بل عبر نظرات العيون ولمسة اليد. لذلك، تحتاج العلاقات الأسرية اليوم إلى صيانة دائمة، تمامًا كأجهزتنا الذكية. أن نطفئ أجهزتنا قليلًا، و”نتحدث” من قلوبنا وجهًا لوجه.
كلمة أخيرة
في نهاية المطاف، العلاقات الأسرية ليست قرارًا نعيشه، بل خيارًا نصنعه كل يوم. قد نولد في عائلة معيّنة، لكن بناء العلاقة الصحية داخلها هو قرار مستمر. فلنجعل من أسرنا مساحات للحب والأمان، ومن بيوتنا مدارس للإنسانية. ففي قلب كل علاقة أسرية ناجحة… يولد إنسان قادر على حب الحياة
نبذة عن الكاتب.
د.فريال علي آل التركي
مستشارة أسرية تربوية نفسية
عضو إداري ومنسق عام المجلس الإستشاري الأسري العراقي
عضو وكوتش معتمد لدى معهد KNOWLEDGE HUB للتدريب المهني في دبي
مدير التدريب والتطوير معهد قادة المستقبل للإستشارات وتنمية الموارد البشرية في ابوظبي